روايه العلم
في أحدي المرات تململ من شدة النظرات المصوبة نحوه، رفع ناظريه فالتقيا بعيني ثريا واستمرا وهلة لا تحمل نظرات أي منهما إلى الأخر أي معنى، وكل منهما يحاول الهرب بعينه المثبتتان وقد شد كل منهما إلى الآخر انجذاب قوي، وعندما أستطاع الهرب من عيناها ود لو يجد من يستمع إليه.
وفى أحد الأيام التالية عاد من درنة فوجدها ترتدى الرداء على قفطان من القماش الشفاف فابتسم في تكلف يسألها أيهما أفضل الملابس القطنية أم الحديثة؟ أجابته في صوت خال من التعبير، وكانت تنظر إلى أشياء أخرى أن الاثنين سيان… وأدارت ظهرها مبتعدة.
إذن لا تعلم الريح أي قوى مجهولة تسيرها، ولا سكون البحر عنف التيارات الهمجية بقاعة، وفى لحظة تهب العواصف السوداء، ويهرب النور مسرعا أمام أمير الظلام. ولا تستطيع زقزقة العصافير الورعة أن تخفى ارتطامها بالأرض صريعة ضربات الصقور.
هنا نبتة شيطانية وهناك سنبلة قمح، فبأي وسيلة تختار، وأي مستقبل غامض ينتظرك، وقد أختلط بذاكرتك ظل الأشياء مرآها… صاح بها أن تبتعد عنه… أن ترحل… لكنها كانت تطير حوله وهي تئز مطلقة في الفضاء رائحة زكية؛ فراشة النار الملونة بقوس قزح، تطرق أذنه برنين فضي، وتبث داخله أغنيات ساخرة ونكات بذيئة مبتذلة …
طارد وجودها، يلاحقها وهي تفلت منه، تنمو وتكبر مثلما تتفتح وردة الحمراء، اهتاج لاهثا وهي تقف في منتصف الفضاء أمامه في حجم عصفور الجنة، تنظر إليه في ابتسامة متأملة…
وساد الصمت للحظة كانت قد اختفت من دائرة كوابيسه، وعندما استيقظ، كانت هناك كالباشق الصغير، ترقد خلف غصن بنى أجرد، تتابعه وفى عيناها ينبعث بريق المتعة والتسلية بانعكاسات أفعالها… أو أفعى رقطاء تهم فيه بلسعتها الميتة، وظنها يمامة وديعة ترتكن على كتفه في ارتخاء… ووشوشت عيناه وانبعثت الأشكال البلورية للرغبة، فإنجاب برأسه عن مرأى الضوء وراح إلى الظل يتوسد ذراعيه، لكن غفوته قطعها أزيز يتلاعب حوله كخطر غزال. كف مخملية موسومة بالحناء، مزدانة بشرائط الحرير الهندية، وخلاخيل الذهب المصنوعة في قصور العباسيين، فأنتفض يستعيد شجاعته، وراح بهراوة ثقيلة يضرب الهواء شبحا مسيطرا غير واضح الملامح… يصيح… اتركيني… أنى وحيد …